سيتم التبرع بكل المداخيل حتى بداية 2024 لصالح القضية الفلسطينية. 🇵🇸

إعلان
الرئيسية تغذية سحر الكنافة.. لماذا يميل البشر لتناول الحلو بعد الطعام المالح؟
1 دقيقة 1 تعليق
تغذية

سحر الكنافة.. لماذا يميل البشر لتناول الحلو بعد الطعام المالح؟

تخيل أنك دخلت مطعما لتناول الغداء مثلا، ثم أخبرت النادل عن وجبتك كاملة بما تتضمنه من تحلية، ولكنك طلبت منه أن يحضر “الحلو” أولا قبل الوجبة الرئيسية، هل تظن أن هذا الموقف سيمر هكذا دون دهشة النادل؟

بالتأكيد ليس هناك قانون يمنع الإنسان من أكل الحلو أولا ثم ختام وجبته بالمالح، ولكن العكس هو ما يحدث فعليا، وهو ليس مقتصرا على بلد بعينه ولكنه أمر متعارف عليه عالميا ويبدو منطقيا للجميع في كل ثقافات العالم، وبالطبع نلاحظه بوضوح في رمضان وهو شهر التحلية بامتياز، فبعد الإفطار يجلس أفراد العائلة لأكل ما لذ وطاب من صنوف الكنافة وغيرها من بدائع الحلويات.

دوافع بدائية!

كيف وصلنا إلى هذه القاعدة العابرة للثقافات إذن؟ كما هو متوقع، الجواب يكمن في طبيعة أجسامنا. عندما نكون جائعين، تكون الكميات الكبيرة من السكر المركز ثقيلة على المعدة وصعبة الهضم مقارنة بنفس الكمية من وجبة عادية، ولذلك نشعر بالامتلاء في وقت قصير، وفي هذه اللحظة نواجه مشكلة وهي شعورنا بأننا لم نحصل على الرضا الذي كنا نطمح إليه بعد تناول طعامنا.

في كتابه “لماذا يحب البشر تناول الأطعمة سريعة التحضير” (Why Humans Like Junk Food)، يوضح عالم الغذاء الأميركي ستيفن ويذرلي أن الشهية تتلاشى بسرعة إذا أكلنا السكريات، أما إذا أكلنا طعاما مالحا فسنستهلك كمية أكبر حتى نشبع. ويشير ويذرلي في كتابه إلى أن تناول كميات أقل من الطعام أثناء الجوع يتعارض مع دوافع البشر البدائية، ولذلك اختار البشر تناول الحلوى في نهاية الوجبة وليس بدايتها. (1)

لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد. في دراسة نُشرت عام 2016 تحت عنوان “السمنة واللياقة: توضيح التفسيرات التطورية وتسببها في السمنة” (2)، وضَّح العلماء أن العقل البشري مبرمج بشكل بدائي على تناول أكبر كمية من الطعام وتخزين أكبر كمية من الدهون، وهذا لأن في لا وعي البشر فإن الإصابة بالسمنة أقل خطرا من الإصابة بنقصان الوزن والنحافة والجوع، لأن الأخيرة ستكون قاتلة، وهو أمر يعود إلى الفترات البدائية التي عاشها الإنسان حين لم يكن الطعام متوفرا دائما، وعند الحصول عليه كان يجب تناول أكبر قدر ممكن منه.

فإذا قدمت الحلوى أولا أمام هذا العقل اللاواعي البدائي وأكل منها كمية صغيرة فشعر بالشبع وعدم القدرة على تناول أي طعام آخر، فسيشعر بأن هناك أمرا ناقصا وأنه لم يأكل طعاما كافيا. وبمرور الوقت، تأصلت في نفوسنا تلك الرغبة في إنهاء وجباتنا بالحلوى بعد سنوات طويلة من تدريب العقل على إنهاء الوجبة بالتحلية بحسب الثقافة السائدة.

ويمكن أيضا أن تكون الرغبة الشديدة في تناول السكر بعد الوجبات ناتجة عن زيادة إنتاج السيروتونين، وهو ناقل عصبي مرتبط برفع المزاج، ويقال إن تناول السكر الذي يعزز امتصاص حمض التريبتوفان الأميني الموجود في بعض الأطعمة والذي يسمح بزيادة إنتاج السيروتونين، هو ما يجعلنا نشعر بالسعادة والهدوء والرضا في أعقاب تناول الأطعمة الغنية بالسكر.

كيف نجد مكانا للحلوى بعد وجبة دسمة؟

لكن في هذه النقطة تحديدا يظهر سؤال إضافي مثير للانتباه: إذا كان هضم التحلية والمعدة فارغة صعبا؛ فكيف يمكن للإنسان هضمها بعد وجبة كبيرة وغنية بباقي المكونات الغذائية مثل اللحوم والأرز والمعجنات؟

في دراسة نُشرت عام 2006 تحت عنوان “مكان يكفي للحلوى: تشريح موسع للمعدة” (Room for dessert: an expanded anatomy of the stomach) (3)، أوضح الباحثون أنه مهما كان الشخص يشعر بالشبع والامتلاء من وجبته الرئيسية فإنه على استعداد تام لتناول الحلوى في نهايتها.

ذكرت الدراسة أن هناك تاريخا مثيرا لتفسير هذه الظاهرة، حيث اقتنع بعض الأطباء في مرحلة ما أن هناك “حقيبة” أو “كيسا” صغيرا في المعدة مخصص فقط للحلوى التي نتناولها بعد الوجبة الرئيسية، ولكن هذا التفسير يتعارض مع ما نعرفه اليوم عن التشريح بالطبع. البعض الآخر فسَّر الأمر بأن الحلوى عندما تنزل المعدة تملأ الفراغات الموجودة في الوجبة الأساسية، ولكن في النهاية وجد الأطباء تفسيرا يبدو أكثر منطقية للإجابة عن سؤالنا، وهو مفهوم (4) أُطلق عليه اسم “الشبع الحسي” (sensory-specific satiety).

يُشير هذا المفهوم أن الشبع في الأساس أمر نفسي ويمكن للمخ أن يخبر الجسد بأنه وصل إلى مرحلة الشبع دون أن تمتلئ المعدة كليا, يحدث الشبع الحسي عندما يتناول أحدنا كمية طعام كبيرة لها الشكل والطعم واللون والرائحة نفسها، في بداية تناول هذا الطعام يكافئ المخ جسم الشخص بإفراز المواد الكيميائية المرتبطة بالمكافأة والمتعة، ولكن عندما يستمر الشخص في تناول الوجبة نفسها، فإن المخ يفقد اهتمامه ويوحي للجسم أنه يشعر بالشبع.

وقتها يكون الجسم قد امتلأ على ما يبدو من تلك النوعية من الطعام، ولكنه على استعداد لتناول طعام جديد بطعم ولون ورائحة مختلفة، وهنا يأتي وقت الحلوى التي ستجعل المخ ينشط من جديد ويخبر الجسد أنه إذا تناولها فسيحصل على المواد الكيميائية التي تُشعره بالمتعة مرة أُخرى. (5)

في السياق ذاته، تشير دراسة نُشرت عام 2019 تحت عنوان “الأسباب التي تتحكم في حجم الوجبة”، إلى أن الإنسان احتفظ بإستراتيجية تطورية للحفاظ على صحته، وهي أن الطعام يجب أن يكون متنوعا ليصل إلى نظام غذائي صحي، ولذلك -وفقا للدراسة- تطورت أدمغتنا لمكافأتنا على النظام الغذائي المتنوع أكثر من تناول كميات كبيرة من طعام واحد أو أطعمة متشابهة. (6)

بدء الوجبة بالتحلية مفيد صحيا

لكن من ناحية طبية بحتة، فإن بعض رغباتنا قد تتعارض مع صحتنا، في دراسة نُشرت عام 2019 في مجلة “إكسبريمنتال سيكولوجي” (Experimental psychology)، أوضح الباحثون أن تناول الحلوى قبل الوجبة الرئيسية يمكن في الواقع أن يؤدي إلى تناول وجبة صحية.

تابعت تلك الدراسة 134 فردا من هيئة التدريس والطلاب والموظفين في الجامعة الذين اعتادوا تناول الغداء في الكافيتيريا، وقدمت لهم أربعة خيارات على مدار أربعة أيام، الخيار الأول كان طعاما صحيا مثل الفاكهة، واختيار ممتع مثل كعكة الجبن، ثم خيارات للوجبة الرئيسية، لكن يجب على المشاركين اختيار الفاكهة أو كعكة الجبن قبل الوجبة الرئيسية، واستمرت التجربة لمدة أربعة أيام.

أظهرت الدراسة أن 70% من المشاركين اختاروا تناول كعكة الجبن قبل الطبق الرئيسي، ومَن اختار كعكة الجبن في بداية الوجبة جنح إلى اختيار وجبة رئيسية صحية مثل دجاج مشوي وسلطة خضراء بدلا من اختيارات الأطعمة المقلية بالزيت، بينما الأشخاص الذين تناولوا الفاكهة قبل الطعام اختاروا أطباقا رئيسية دسمة، وفي نهاية الأيام الأربعة وضَّحت الدراسة أن مَن اختاروا كعكة الجبن في بداية الوجبة قد استهلكوا 250 سعرا حراريا أقل من الذين اختاروا الفاكهة في بداية الوجبة.

يقول مارتن رايمان، الأستاذ المساعد للتسويق والعلوم المعرفية بجامعة أريزونا والمؤلف المشارك للدراسة: “إذا اخترنا شيئا صحيا أولا، فهذا يمنحنا رخصة لاختيار شيء دسم لاحقا، وإذا عكست الأمر واخترت شيئا أثقل في وقت مبكر، فهذا يعني أن هذا الترخيص انتهت صلاحيته بالفعل”. (7)

يتأكد ما سبق بدراسات أخرى (8) (9)، أشارت إحداها إلى أن الشخص عندما يتناول طعاما صحيا يشعر بالاسترخاء وبأنه ليس عليه مراقبة الكمية التي يتناولها من الطعام لأنه “صحي”، ولذلك إذا بدأ الناس الوجبة بطعام صحي فإنهم يأكلون كميات كبيرة منه، ولكن مَن يريد اتباع نظام غذائي صحي إذا بدأ وجبته بالتحلية فسيكون مراقبا جيدا لنفسه في الكمية التي يأكلها، وطبيعة جسده ستساعده على تناول كمية قليلة من الأساس، وفي النهاية عندما يتناول وجبته الصحية فإنه سيأكل كمية أقل. (9)

لكن في النهاية، فإن قرار بدء أو إنهاء وجبتك بالتحلية يمتلك الكثير من المخاطر التي تخص نوعية الحلوى التي ستختارها لتبدأ بها وجبتك. على سبيل المثال، الحلوى المصنوعة من السكر النقي ليست اختيارا جيدا، وهذا لأنها ترفع نسبة السكر في الدم بسرعة ما يؤدي إلى ارتفاع مستويات الإنسولين، وبمرور الوقت يمكن لهذا النمط الغذائي أن يُهيئ الجسم لمقاومة الإنسولين، ما يؤدي بدوره إلى الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، لذ ا فإن الأفضل في كل الأحوال أن تكون التحلية بنوع من الفاكهة، وأن نقلل من تناول الحلويات الغنية بالسكريات قدر الإمكان.

———————————————————————————

المصادر

  1. Why Humans Like Junk Food
  2. Fatness and fitness: exposing the logic of evolutionary explanations for obesity
  3. Room for dessert: an expanded anatomy of the stomach
  4. Sensory specific satiety: More than ‘just’ habituation?
  5. Sensory-specific Satiety
  6. Potential moderators of the portion size effect
  7. If I indulge first, I will eat less overall: The unexpected interaction effect of indulgence and presentation order on consumption
  8. Scientists discover brain mechanism that drives us to eat glucose
  9. Eat dessert first? It might help you control your diet

المصدر : الجزيرة

الصورة

كتب من قبل

انا مصطفى من الجزائر, مطور ويب من الجيل الجديد مثابر و احب ان اجرب كل ماهو جديد.

تصفح 7 مقالات إضافية من قبل مصطفى

رد واحد على "سحر الكنافة.. لماذا يميل البشر لتناول الحلو بعد الطعام المالح؟"

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إعلان